آيات القرآن تتحقق.. وستتحقق بإذن الله

آيات القرآن تتحقق.. وستتحقق بإذن الله

[18:15مكة المكرمة ] [07/01/2009]

د. محمد بديع

بقلم: د. محمد بديع

يقول صاحب الظلال رحمه الله: "إن هذا القرآن نزل في جوٍّ ساخنٍ، ولا يُفهم إلا من مثل الجوِّ الساخن الذي نزل فيه..".

يا كل مسلم ويا كل مسلمة على ظهر الأرض.. ولا شك أنكم قرأتم وحفِظتم وفهمتم قولَ الله عز وجل: ﴿لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا﴾ (المائدة: من الآية 82)، ولكن هل رأيتم ﴿لَتَجِدَنَّ﴾ هذه؟! إنها كلمة من خمسة حروف؛ فيها كل صور التوكيد.. إنك الآن تراها لأنها نزلت لتراها؛ أي أنه سيحدث من الوقائع والأحداث والمواقف من هؤلاء أعداء الله وقتلة الأنبياء ما يجعلك ستتأكد وستجد أنه لا مثيل لهم في العداوة للمؤمنين، وعندما تجد ذلك تقول ما قاله أجدادُك الصابرون الثابتون؛ الواثقون في وعد الله ونصره من الرعيل الأول: ﴿هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ﴾ (الأحزاب: من الآية 22).

ها أنت قد رأيت يا من كنت مخدوعًا موهومًا بأن هؤلاء الصهاينة يريدون سلامًا، وروَّج البعض لهذه الكذبة؛ لأنهم مهزومون من الداخل، لم يهزمهم أحد، لوَّوا أعناق النصوص، وأوَّلوها على هواهم، وصدرت الفتاوى أيام كامب ديفيد متأوِّلةً بقول الله عز وجل: ﴿وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا﴾ (الأنفال: من الآية 61) وهم لم يجنحوا للسلم، ولم يتمنَّوا أن يجنحوا أبدًا، ووطنهم المزعوم من الفرات إلى النيل مرسوم على علَمِهم المنكّس؛ نهران أزرقان، ولم نسمع صوتًا من هذه الأصوات المتخاذلة ينطق بقول الله عز وجل: ﴿قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمْ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (14)﴾ (التوبة) وهم يرون الدماء أنهارًا، والأشلاء في كل مكان، والقتلة لم يرحموا طفلاً ولا شيخًا ولا امرأة ولم يرقبوا في أماكن العبادة ودور المستشفيات ودور العلم إلاًّ ولا ذمَّةً.

ولكن على الجانب الآخر نجد المجاهدين والصابرين من أهل غزة أهل العزة يرتفعون فوق آلام الحصار والجوع والمرض والجروح والموت وفقد العزيز؛ لأنهم ذاقوا حلاوة ما معها وما بعدها في نفس الآية (لتبلوُنّ)؛ أي لتُختَبَرُنَّ، وأن الذي يختبرهم هو الله عز وجل؛ ليرفع درجاتهم، فذاقوا حلاوة أن الاختبار من الله بكل هذه الصور ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنْ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ (155)﴾ (البقرة)، وفي نفس الوقت ذاقوا حلاوة الأجر الذي يهون معه كل غالٍ، وتهون معه الدنيا كلها.. ألا وهو نصر الثبات، والنصر الذي مع الصبر، وروائح الجنة التي أقسموا أنهم يجدونها تصحب كل شهيد وتزفُّه، لقد تلقَّوا الرسالة التي بعدها فهان عليهم ما قبلها ﴿وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ﴾، فكانت أخبار الشهداء تسبقها عبارة (ارتقى) بإذن الله وفضله وكرمه.

هذا على مستوى كل فرد منهم.. أما على المستوى العام فقد أخبرنا الله عز وجل أن هذا سيحدث ﴿مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنْ الطَّيِّبِ﴾ (آل عمران: من الآية 179) وقد حدث أن فرزت الأحداث الصفوف وتميَّزت المواقف ﴿فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِم يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ﴾ (المائدة: من الآية 52) هي هي نفس الجملة قالوها (من يقدر على إسرائيل ووراءها أمريكا؟) هم هم الذين قالوا ﴿مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُورًا﴾ (الأحزاب: من الآية 12)، ﴿فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ﴾ (المائدة: من الآية 52).

وأحذر كل من قال كلمة سوء في حق هؤلاء المجاهدين أو حرَّض على حصارهم أو قتلهم ولو بشطر كلمة؛ أحذِّره بتحذير رسول الله صلى الله عليه وسلم "من أعان على قتل نفس مؤمنة ولو بشطر كلمة لقي الله عز وجل مكتوب بين عينيه آيس من رحمة الله"؛ أي مطروحة من رحمة الله.

وهذا ما نتربَّصه بهؤلاء الصهاينة وبكل أعوانهم الذين سيكون مصيرهم كمصير بني قريظة وبني قينقاع وبني النضير وخيبر؛ فوعد الله لا يتخلَّف: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ﴾ (الأعراف: من الآية 167) عذابٌ في الدنيا وجحيمٌ في الآخرة بإذن الله.

أما الذي يجب علينا أن نفعله:

1- استحضار نية الشهادة؛ فمن طلب الشهادة بصدق أنزله الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه؛ فهذا هو ما ينزع الوهن من كل القلوب، وإلا "من لم يغزُ ولم يحدِّث نفسه بغزوٍ مات ميتة جاهلية"، كما بين رسول الله صلى الله عليه وسلم الصادق المصدوق؛ حتى يكون- فعلاً لا قولاً- الموت في سبيل الله أسمى أمانينا.

2- الجهاد بالمال، وهذا حقُّهم علينا وليس تفضُّلاً منا؛ لأنه كما قال ربنا عز وجل- وقوله الحق-: ﴿وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ (6) ﴾ (العنكبوت).

3- قول الحق.. لا نخشى في الله لومة لائم؛ فهذا جهاد الكلمة وتغيير المنكر باللسان؛ لأن قلب حقائق جهاد إخواننا في فلسطين كذبٌ وزورٌ ومنكرٌ وبهتانٌ؛ لا يُزيله إلا قول الحق ونصرة المظلوم ولو بالكلمة وكشف المؤامرات وفضح الزيف والتضليل والنصح للجاهل وشحذ الهمم، وهذا لا يُعفى منه أي إنسان مهما بلغ ضعفُه وعجزُه وعذرُه.. اسمعوا معي قول الله عز وجل يرد علينا: ﴿لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (91)﴾ (التوبة) والنصيحة هنا لأئمة المسلمين وعامتهم.

4- مقاطعة كل ما يتصل بتجارة وصناعة العدو الغاضب الغاشم، ودعوة الجميع إلى ذلك، وقد رأينا من مواقف إخواننا المصريين وعلى الأخصِّ المسيحيين ما يستحقُّ الإشادة من مواقف في المظاهرات والمقاطعة والتبرعات؛ لأنهم يعلمون أنه ما أساء أحدٌ إلى نبي الله عيسى وأمه مريم البتول الطاهرة المطهرة مثل يهود.. ﴿وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا (156) وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ.......﴾ (النساء).

5- الدعاء الذي هو سهام السحر.. يا من لا تملك سهمًا وقوسًا بل حتى ولو كنت تملك فقل معهم طاعةً للرحمن ورجمًا للشيطان؛ فتتحوَّل الحصاة إلى جمرة من نار تحرق الشيطان المخلوق من نار.. ﴿وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى﴾ (الأنفال: من الآية 17).

وقد رأيتم إخوانكم المجاهدين يصطفون خلف قائدهم؛ يدعو ويؤمنون ويؤمُّهم وهم يصلون، ويقاتل قبلهم وهم يقاتلون.. ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ (الحج: من الآية 40).

وفي مسك الختام: الثقة في نصر الله القويِّ العزيز، مالك القوى والقُدَر؛ الذي توعَّد بإلقاء الرعب في قلوب الكافرين.. ﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ﴾ (الشعراء: من الآية 227).

---------

* عضو مكتب الإرشاد.

عدد الرسائل : 305 تاريخ التسجيل : 24/12/2008

رحم الله صاحب الظلال وغفر له وتقبله عنده فى الشهداء