1- أجمل قصة حب:
الحب والبغضاء، الطمأنينة والقلق، الفرح والأحزان.. مشاعر كثيرة تمر بالقلب فتُسعده أو تُصيبه بالكآبة، بل قد تُحييه أو تُميتيه.
لذا اهتم الكثير برواياتٍ تداعب المشاعر، خاصةً تلك التي تخص العلاقة بين الرجل والمرأة؛ فضرب العرب لنا مثلاً لأقوى قصص الحب: قصتي عنتر وعبلة، وجميل بثينة، أما الغرب فافتخروا بروميو وجولييت وبطلي السفينة الغارقة "تايتانيك".
وامتلأت الروايات وشاشات العرض السينمائي بالقصص المُوجعة الحزينة أو بنهايات سعيدة لقصص الحب، وتوقف الفيلم عند تلك اللحظة، ونسي المؤلف أن يُخبرنا ماذا فعل البطلان بعد الزواج: هل استمر وَهَجُ الحب؟ أم أن البطلين ملَّ كلٌّ منهما من الآخر؟ وعلى أي أساس استمرَّت العلاقة بينهما؟
كما فشل المؤلف في صنع نموذج شريف عفيف لقصة حب يرضى عنها الله ويُباركها، فلِمَ إذن نستسلم للخداع ونخضع للأوهام وبين أيدينا أجمل قصص الحب؟!
قصص شريفة عفيفة؛ فاضت فيها المشاعر والأحاسيس، فعاش أبطالها أجمل لحظات، ولم تكن جائزتهم رضا الله تعالى عنهم وحسب، بل فازوا بخلود مشاعرهم في الدنيا والآخرة، فكانت أجمل قصة حب.
***
قصة حب
قالوا عنتر وعبلة، وقالوا روميو وجولييت، وقلنا اهدءوا وأنصتوا؛ فلدينا أجمل قصص الحب.
2- الحب الخالد:
ولا يمكن إلا أن تكون هذه القصة بدايتنا؛ فهي حقًّا أعمق قصة حب.
والسؤال هو:
- هل يوجد رجل على وجه هذه الأرض يعترف بفضل زوجته عليه؟
- وما هو رد فعله تُجاه هذا الفضل؟
- وكم من الزمن سيظل الزوج ذاكرًا لذلك الفضل؟
- وإن ماتت الزوجة هل يثبت ذاكرًا لها ولأفضالها؟
- وإلى متى سيظل ذاكرًا لها؟
- وما الذي فعلته الزوجة لتستحق كل هذا الحب من زوجها؟
***
ولنبدأ قصتنا من نهايتها:
الزوج يحتفي بأخت زوجته المتوفَّاة ويُكرم صديقاتها، فيبعث إليهن بهدايا زمانهم: أعضاء لحم شاة قام بذبحها؛ فهو ما زال على عهدها وفيًّا، يحفظ فضلها ويُكثر من ذكرها، فتتحرَّك نيران الغيرة في قلب زوجته الجديدة فتقول: "وما تذكر من عجوزٍ أبدلك الله خيرًا منها؟!".
فيؤلمه قولها فيقول: "والله.. ما أبدلني من هي خير منها؛ آمنت بي حين كفر بي الناس، وصدَّقتني حين كذَّبني الناس، وأشركتني في مالها حين حرمني الناس" (رواه أحمد).. دار ذلك الحديث بعد وفاة الزوجة الأولى بأربعة عشر عامًا.
فمن هو ذلك الزوج الوفي؟ ومن هي تلك الزوجة التي استحقَّت ذلك الوفاء؟
الزوج هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، والزوجة هي السيدة خديجة رضي الله عنها.
وكانت البداية حين رأت خديجة رضي الله عنها بركةً في مالها- الذي خرج به محمد صلى الله عليه وسلم متاجرًا- لم تَرَها من قبل، وقد حدَّثها غلامها ميسرة عن محمد صلى الله عليه وسلم وصدقه وكريم أخلاقه، فحدَّثت صديقتها نفيسة بنت منبه عنه، ففاتحته في أمر الزواج من خديجة رضي الله عنها ففعل، فكانت أول امرأة تزوَّج منها.
ورغم أن عمرها كان أربعين عامًا وأن عمره كان فقط خمسًا وعشرين سنة، إلا أن الحب الخالد قد نما بينهما؛ فقد رزقها الله منه بغلامين وأربعة بنات، ولم يضم إليها في حياتها لا زوجة ولا أَمَة من الإماء.
فما هو سر خلود الحب بينهما؟:
1- أحسنت خديجة الاختيار؛ فكان شرطها الصادق الأمين كريم الخلق.
2- اعتاد محمد صلى الله عليه وسلم أن يتعبَّد في غار حراء بعيدًا عن بيته، فكانت تحمل له الطعام رغم وعورة الطريق، ولم تعترض أبدًا ولم تتهمه بالتقصير في حاجات بيته، بل كانت عونًا له وتشاركه اهتماماته.
3- عاد صلى الله عليه وسلم ذات يوم إلى بيته يرجف فؤادُه حين نزل عليه الوحي، فرأى الملك جبريل لأول مرة، وقال لها: "لقد خشيتُ على نفسي"، فلم تتهمه بالجنون، ولم تَقُل له: هذه نهاية من يترك بيته وأهله وحدهم، ولم تَقُلْ له: كفانا أحداثًا غريبة، بل كانت نِعْم الزوجة، وطمأنت قلبه بأرق الكلمات المنتقاة؛ تمدحه وتبث في قلبه الثقة، بل قالت: "كلا، والله لا يُخزيك الله أبدًا.. إنك لتصل الرحم، وتحمل الكَلَّ (تنفق على الضعيف) وتُقري الضيف (تكرمه) وتُعين على نوائب الحق".
وهكذا الزوجة الصالحة؛ لا تذكر زوجها إلا بكل خير أمامه وفي غَيبته؛ فلا تسمح لنفسها بأن تهز مكانته.
بل وتذكِّر نفسها بكريم صفاته كما يجب على كل زوجة أن تفعل وقت الصعاب؛ لتثبِّت أمام عينها مكانة زوجها، فلا تسمح للشيطان بالتقليل من شأنه من عينيها فيسهل بينهما الخلاف.
4- ثم أخذته إلى ابن عمها ورقة بن نوفل، وكان نصرانيًّا وعنده علم ببشارة الإنجيل، فبشَّره بالنبوة، وهكذا تطمئن وتسعى بشتى السبل في عونه.
والزوجة الذكية تقتدي بأمها السيدة خديجة، فتُعيِّن نفسها مديرةً لأعمال زوجها، وتُعينه قدر طاقتها، فتزيد من ثقة زوجها بها، فلا يستطيع الاستغناء عنها، كما أنها تزيد ممن مساحة الاهتمامات والحوارات المشتركة بينهما.
5- كانت خديجة رضي الله عنها أول من آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم من البشر، بل أول من علَّمه صلى الله عليه وسلم الصلاة.
وهكذا يجب أن تكون كل زوجة: مؤمنةً برسالة زوجها في الحياة، فلا تقف عقبةً في وجه التزامه أو طموحه، بل تُعينه على الخير.
6- حين قرَّر الكفار عزل المسلمين وحصارهم اقتصاديًّا واجتماعيًّا رفضت السيدة خديجة أن تتخلَّى عن زوجها صلى الله عليه وسلم، بل ذهبت مختارةً فعاشت معه في شِعْب أبي طالب، وعانت الجوع والعزلة ثلاث سنوات، فكانت نِعْم الزوجة؛ لا تكلِّف زوجها ما لا يطيق، ولا تطالبه بما لا يملك، بل تؤازره وتقف بجانبه في أزماته في أصعب الظروف وأحلك الأوقات، والأوفياء أصحاب الحب الصادق الصالح ليس لهم إلا الجنة، والحب الخالد ليس له نهاية، بل هو خالد في الجنة.
- أتى جبريلُ عليه السلام رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقال: " يا رسول الله.. هذه خديجة قد أتتك معها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب؛ فإذا هي قد أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها ومنِّي، وبشِّرها ببيت في الجنة من قصب (لؤلؤ أو ذهب) لا صخب (ضجيج) فيه ولا نصب (تعب)".