<H5>ملتزم حديثًا.. كيف أدعو أسرتي؟[27/01/2010][13:25 مكة المكرمة] أنا شاب ملتزم حديثًا، أريد أن أدعو أسرتي (أبي وأمي وإخوتي) إلى الالتزام، ولكني دائمًا ما أواجه مشكلات وسخريةً أحيانًا، وأكثر ما يضايقني مشاهدتهم للتلفاز؛ حيث تحتوي بعض الأفلام والمسلسلات على مشاهد محرمة، أنا أحبُّ أسرتي، وأريد لهم رضا الله دون أن أفقد علاقتي بهم، فماذا أفعل؟!
* يجيب عنه- أحمد صلاح:
أخي الكريم..
هنيئًا لك الالتزام ومعرفة طريق الله والقرب منه، وأدعو الله لك بالثبات والمزيد من الهداية والإيمان، والدراية بأمور دينك والحياة.
أخي الكريم..
جميلٌ منك أن تتحمَّس لدعوة الآخرين، رغبةً منك في الثواب ومساعدة الآخرين وهداية الغير إلى طريق الله، فيعرفون ما عرفت، ويرون ما رأيت من جمال الإيمان وحقائق الدين والدنيا، ولذة القرب من الله.
ويزداد هذا الحماس إذا كان هؤلاء الآخرون الذين تريد أن تساعدهم هم أسرتك، وإذا كان هذا الغير هم والدك ووالدتك وإخوتك.
لا أخفي عليك- أخي الحبيب- أن الحماس الجارف الذي يصاحب بعض الملتزمين في بداية التزامهم، والذي يصاحبه حبٌّ كبير لأهلهم وذويهم، قد يحدث مشكلة في بعض الأحيان.
فالملتزم يجد نفسه قد انقلب من حال إلى حال، وأن حياته قد انقسمت إلى حياة سالفة بكل ما فيها من أخطاء ومعاصٍ وبُعد عن الله، وحياة مستقبلية بما فيها من بُعد عن الخطأ، والإكثار من الطاعة والقرب من الله.
وينظر الملتزم إلى من حوله فيجد عالَمًا يرفضه، عالَمًا مليئًا بالأخطاء والمعاصي، فيحزن وينفطر قلبه على كل من يحبه، وإذا كان الملتزم من الممكن أن يتماسك أمام أصدقائه وزملائه في المدرسة أو الجامعة أو العمل، فإنه لا يستطيع أن يتماسك أمام أكثر من يحبهم ويخاف عليهم، والده ووالدته وإخوته، ويضاف إلى ذلك أنه يرى أخطاءهم ليل نهار أمام عينيه، فهذه أخته لا ترتدي الحجاب، وهذا أبوه يدخِّن، والأسرة كلها تجتمع على مشاهدة أفلام وبرامج تليفزيونية، ربما يكون بها مناظر غير لائقة، وربما يكون هناك تقصير في أداء الصلاة.. إلخ، فينزعج بشدة ويبدأ في نهرهم بقسوة وعصبية أحيانًا، وطبيعي ألا يستجيب أفراد الأسرة لهذا الأسلوب، ويصبح التدين هنا متزامنًا مع بداية مشكلات بين الملتزم وأسرته.
ويحدث الصدام..
هذا الصدام سببه أن الملتزم لم يراعِ عدة نقاط، هي:
1- مبدأ التدرج، وهو سنة من سنن الكون، فلا شيء يأتي فجأةً، وهو نفسه عندما التزم لم يلتزم فجأةً، وهو في ذات الوقت يطلب من الجميع أن يتغيَّروا بين يوم وليلة، وهو أمرٌ مستحيلٌ وغير مقبول منطقيًّا.
2- عدم حساب عنصر الدهشة المتوقَّعة من الأسرة من حالة الانقلاب المفاجئ الذي حدث في شخصية الملتزم، فالأسرة كانت تراه سنواتٍ طويلةً يرتكب أخطاءً واضحةً وظاهرةً للجميع، واليوم يطالبهم بعكس ما كان يفعله بالأمس.
3- غياب عنصر القدوة؛ لأنه كشخص تاريخه مكشوف ومعروف للأسرة، ولا يمكن أن يقبلوه فجأةً وصيًّا عليهم.
لذا فأرى أن التصرف الطبيعي الذي يمكن أن يؤدي إلى نتائج إيجابية مع الأسرة لا بد أن يراعي التالي:
1- عدم دعوة الأسرة إلى أي شيء لفترة لا تقل عن شهرين، وكل ما على الملتزم في هذه الفترة أن يُظهر التزامه دون محاولات لإجراء تعديلات على سلوك الأسرة، وليتحمَّل في سبيل الله بعض تعليقات إخوته وربما والديه، والتي قد لا تخلو من السخرية، حتى تستوعب الأسرة الوضع الجديد.
2- بر الوالدين ومعاملتهما بودٍّ ولطف، ومدّ جسور الحب والمودة والصداقة بينه وبين إخوته، بمساعدتهم في شئون حياتهم، حتى يظهر للأسرة أن الالتزام أضاف للأسرة شيئًا جميلاً، وأن وجود شخص بينهم قريب من الله حلَّ لهم بعض المشكلات في حياتهم، ولم يكن الالتزام سببًا في تعقيد الحياة وجلب المشكلات لهم.. قال صلى الله عليه وسلم: "إن الله يحب الرفق في الأمر كله" (رواه البخاري)، وقال أيضًا: "من يحرم الرفق يحرم الخير كله" (صحيح الجامع).
3- الدعوة بالحسنى بدون تهجم أو أوامر أو عصبية، بل بأسلوب هادئ ودود مقنع، وبخفة ظل أحيانًا، والبقاء على صلة الحب والمودة حتى في حالة عدم الاستجابة، والذكاء في التعامل مع المواقف المختلفة بأسلوب يتجنَّب المشكلات قدر الإمكان.. قال تعالى: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ (النحل: 125).
4- عدم الشجار مع الأسرة، والحفاظ دائمًا على العلاقة الطيبة بين الملتزم وإخوته، مهما كان حجم الخلافات، ولنتذكر موقف الصحابي الجليل مصعب بن عمير، الذي حبسته أمه وحرمته من كل النعم التي تعوَّد عليها طيلة حياته في بيته؛ ليعيش حياةً متقشفةً صعبةً، أبكت بعض الصحابة، ومع ذلك لم يفقد علاقته بأمه، وكان يقول لها في حنان: "يا أماه.. إني لك ناصح وعليك شفوق".
وتذكر أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه رفيق الرسول ظل ابنه عبد الرحمن كافرًا لما بعد غزوة بدر، بل كان يحارب أباه في غزوة بدر نفسها، وظل أبوه أبو قحافة كافرًا حتى فتح مكة، وكل الصحابة كانوا يتعايشون مع أهلهم رغم اختلاف العقيدة، إلا أنهم كانوا من الذكاء والحكمة بما جعلهم يعرفون كيف يحفظون الأرحام، في الوقت الذي لا يفرِّطون فيه في العقيدة.
5- الصبر وعدم تعجل النتائج، حتى لو احتاج الأمر إلى سنوات.. ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ﴾ (الأحقاف: من الآية 35).
6- الدعاء.. فهو سلاح قوي نغفل عنه كثيرًا، وبدعوة صادقة يهدي الله أعتى النفوس، ويلين أكثر العقول صلابةً.. قال صلى الله عليه وسلم: "الدعاء سلاح المؤمن، وعماد الدِّين، ونور السموات والأرض" (رواه أبو يعلى والحاكم عن الإمام علي رضي الله عنه).
وتذكر دائمًا أخي الكريم أن قواعد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تلزمنا بألا يتسبَّب تغيير المنكر في منكر أكبر منه، فاحرص دائمًا على إحداث هذه التوازنات داخل الأسرة، وليس لزامًا أن تنجح بنسبة مائة في المائة، فهذا شبه مستحيل، ولكن يكفيك أن تحرك الأحداث، وتقوم ببعض التغييرات الإيجابية في محيط أسرتك، بما لا يتسبب في حدوث أضرار أكبر منها.
وفَّقك الله أخي الكريم لخيرَي الآخرة والدنيا، وجعلك سببًا لهداية أسرتك وآلاف البشر من حولك.
------------
</H5>
موضوع: ملتزم حديثًا.. كيف أدعو أسرتي؟ 
السبت 30 يناير 2010, 5:37 am