الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد..
إن ذكرى تحويل القبلة يأتي إلينا كل عامٍ ليرسخ فينا أمورًا عدة، ويُعلمنا دروسًا كثيرةً نحن- المسلمين- في أمسِّ الحاجةِ إليها في أيامنا هذه.
وعند ما خرجت أبواق الحاقدين على انتشار الإسلام وإقبال الناس عليه صوَّر الله حالهم فقال تعالى: ﴿سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (142)﴾ (البقرة).
خصَّ الله تعالى بقوله (من الناس) ووصفهم بأنهم سفهاء، ترى أن السفه يكون في الجمادات والحيوانات، والمراد من السفهاء جميع مَن قالوا ومَن والاهم.
والسفيه هو (خفيف العقل، البهات، الكذاب المتعمد خلاف ما يعلم، الظلوم الجهول)، والمراد من السفهاء هنا اليهود.
وعندما انطلقت أبواق اليهود في المدينة المنورة (وهم موجودون في كل زمان ومكان)، وقد عزَّ عليهم أن يتحوَّل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- والمسلمون عن قبلتهم، وأن يفقدوا حجتهم التي كانوا يرتكنون إليها في تعاظمهم وفي تشكيك المسلمين في قيم دينهم، وأخذوا يبذرون بذور الشك والقلق في قيادتهم وفي أساس عقيدتهم.
وهذا هو حال السفهاء في كل زمان ومكان مع المؤمنين، كما فعلوا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وفضح الله حالهم نراهم في زمننا كثيرين يسخرون من كل شيء يدلُّ على عظمةِ الإسلام والمسلمين وانتصاراتهم في أي مجال، ولكن رغم ذلك فالمدُّ الإسلامي، وانتشاره وإقبال الناس عليه يجعلنا متفائلين.
إنَّ في تحويل القبلة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام (الكعبة) لحكمًا تربويةً عظيمةً، فحين اتجه المسلمون إلى المسجد الأقصى مستجيبين لأمر ربهم لعلهم يصلوا إلى هذه الحكم، ومنها:-
أ- خلع كل شيء من القلب إلا الله فلا يتعلق القلب إلا بالله، لا بيت ولا ولد ولا زوجة ولا مال ولا وظيفة ولا كرسي (كل ذلك)، لا قيمةَ له أمام مراد الله فيصير المسلم عبدًا يُقدِّم حكم الله على ما يحب طالما أنه لا يوافق شرعه.
ب- كان العرب يُعظمون البيت الحرام فى الجاهلية فأراد الله لهم أن يتجهوا إلى المسجد الأقصى (قبلة اليهود والنصارى) تاركين بيت الله ليكون سبحانه هو العظيم المستحق ذلك فلا نخضع لعظيمٍ سواه، والبيت بيته وعظمته مستمدة من الله.
ح- إمامة الأمة ووراثة الأمانة (الديانات السابقة) فالإسلام هو الدين الخاتم وهو الدين الوسط ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ (البقرة: من الآية 143)، فأمتنا أمة وسطًا بكل معاني الوسطية سواء من الوساطة (الحسن) أو (الاعتدال) أو (القصد)، أمة تتبع الفطرة السليمة في التفكير والشعور، في التنظيم والتنسيق، لا تدع الحياة كلها للمشاعر والضمائر ولا تدعها للتشريع والتأديب، ولكن ترفع الضمائر البشرية بالتوجيه والتهذيب، أمة وسطًا في العلاقات والارتباطات لا تلغي شخصية الفرد ومقوماته ولا شخصية الجماعة أو الدولة، وإنما تطلق من النوازع والخصائص ما يُحقق شخصية الفرد وكيانه، وكذالك الدولة والجماعة.
د- إن التوجه لله في المشرق والمغرب والارتباط به سبحانه وتشريعه ﴿فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ﴾ (البقرة: من الآية 115).
ومع كل ذلك نرى الذكرى تطل علينا مواقف لا بد أن نقف أمامها منها:-
موقف اليهود من المسلمين
إن موقف اليهود من الإسلام واضحٌ بيِّنٌ منذ أول يومٍ صدع فيه رسول الله بدعوته، فنرى حسدهم وبغضهم ومكرهم وتدبيرهم وتأليب القبائل على المسلمين والحكام الموالين لهم على الحركات الإسلامية وكل قوة إسلامية تظهر في أي مكان، وصدق ربنا حيث قال: ﴿لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا﴾ (المائدة: من الآية 82)، ونرى ذلك في الحديث الجامع لرسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يظهر بعض مواطن حسدهم، روى الإمام أحمد في مسنده عن السيدة عائشة- رضي الله عنها- أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم- يعني في أهل الكتاب-: "إِنَّهُمْ لاَ يَحْسُدُونَنَا عَلَى شَيءٍ كَمَا يَحْسُدُونَنَا عَلَى يَوْمِ الْجُمَعةِ، التَّي هَدَانَا اللهُ إِلَيْهَا، وَضَلُّوا عَنَّهَا، وَعَلَى الْقِبْلَة التَّي هدَانَا اللهُ إِلَيْهَا وَضَلُّوا عَنْهَا، وَعَلَى قَوْلِنَا خَلْفَ الإِمَامِ آمِين".
بيَّن الرسول- صلى الله عليه وسلم- في الحديث مواطن الحسد، وهي:-
1- يوم الجمعة
فعن أبي هريرة- رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "خير يومٍ طلعت فيه الشمس يوم الجمعة، فيه خُلق آدم عليه السلام، وفيه أُدخل الجنة، وفيه أُخرج منها، ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة"، وحديث أوس بن أوس: "خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة"، وقيل: ذهب بعض العلماء إلى تفضيل يوم الجمعة على يوم عرفة، محتجًا بهذا الحديث.
إذا كان هذا حال يوم الجمعة ومكانته فأين نحن من كل ذلك...
أ- أين تبكيرنا إلى المساجد والمكث فيها للقراءة والتسبيح والاستغفار والصلاة، فهل نذهب قبل دخول الملائكة لاستماع الخطبة أم بعدهم (بعد صعود الخطيب المنبر)؟.
ب- هل تقوم باصطحاب أولادك وبخاصة (الذكور) معك أم تتركهم في البيت نائمين أو أمام التلفاز أو النت؟
ج- أتعلم أن اليهود يبذلون من الحيل والمكائد لإعاقة المسلمين عن الذهاب مبكرين؟
د- كم من الزملاء تدعوه وتذهب لتأخذه لصلاة الجمعة؟
ه- أأنت حريص على آداب وسنن يوم الجمعة (غسل- لبس أفضل الملابس- التطيب.......إلخ)؟
لا بد أن نلتفت إلى الجمعة كاجتماعٍ أسبوعي للمسلمين يغيظ أعداءنا ويعمل على ترابط المسلمين.
2- القبلة المميزة:
- إخلاص النية من أهم الأشياء التي ترمز إليها القبلة ﴿قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163)﴾ (الأنعام).
- نتذكر قول سيدنا موسى عليه السلام ﴿وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى﴾ (طه: من الآية 84)، ولنجعله شعارًا لنا في كل أعمالنا.
- نجعل هدفنا رضا الله، ورحم الله الشيخ أحمد ياسين القائل (أملي أن يرضى الله عني).
3- صلاة الجماعة (قولنا خلف الإمام آمين):
في قوله تعالى: ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ (36) رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَام الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأبْصَارُ (37) لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ (النور).
إن صلاةَ الجماعة فيها تعاون على البر والتقوى، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ يقف المسلمون فيها صفًّا واحدًا خلف إمام واحد يناجون الله ويدعونه كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضًا، فتظهر قوة المسلمين واتحادهم، وفي صلاة الجماعة اجتماع كلمة المسلمين وائتلاف قلوبهم وتعارفهم وتفقد بعضهم لأحوال بعض، وفيها التعاطف والتراحم، ودفع الكبر والتعاظم، وفيها تقوية الأخوة الدينية، فيقف الكبير إلى جانب الصغير، والغني إلى جانب الفقير، والقوي إلى جانب الضعيف، لا فضلَ لأحدٍ على أحدٍ إلا بالتقوى؛ مما به تظهر عدالة الإسلام، وحاجة الخلق إلى الخالق الملك العلام.
هل تعلمون المراد من قول "آمين"؟ لم يرد اليهود من هذا القول (اسم الفعل) آمين بمعنى (اللهم استجب)، ولكن حسدهم في كون المسلمين مجتمعين يحققون هدفَ ربهم من الصلاة.
بالله عليك- يا أخي- أين نحن من هؤلاء الرجال الذين لا تلههم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة؟
علينا أن نجتهد ونحن نستقبل هذا الحدث ونكون عمليين بمعنى:-
أ- أن نكون من أصحاب الصف الأول
ب- أن نُدرك الصلاة والمؤذن يؤذن ونحن داخل المسجد
ج- أن نحرص على الخشوع في الصلاة، قال تعالى ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2)﴾ (المؤمنون)
د- أن نكون من أهل الفجر ﴿وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا﴾ (الإسراء: من الآية 78)
هـ- لا نذهب إلى المسجد إلا ومعنا صديق أو جار أو زميل.
و- الحرص على الدعاء بين الأذان والإقامة.
ز- الحرص على البردين (العصر والفجر).
ي- التعرف على رواد المسجد وتكوين فرق عمل للأنشطة والأمور الأخرى.
التميز للأمة
<table style="WIDTH: 263px; HEIGHT: 229px" borderColor=#e5f1ff width=263 align=left bgColor=#e5f1ff border=0><tr><td width="100%"> </TD></TR>
<tr><td width="100%"> المسجد الأقصى
</TD></TR>