الرجاء والخوف جناحان بهما يطير المقربون إلى كل مقام محمود
الرجاء والخوف جناحان بهما يطير المقربون إلى كل مقام محمود أخي المسلم: إن الرجاء والخوف جناحان بهما يطير المقربون إلى كل مقام محمود، ومطيتان بهما يقطع من طرق الآخرة كل عقبة كؤود، فلا يقود إلى قرب الرحمن وروح الجنان مع كونه بعيد الأرجاء، ثقيل الأعباء، محفوفًا بمكاره القلوب ومشاق الجوارح والأعضاء إلا أزمة الرجاء، ولا يصد عنه نار الجحيم والعذاب الأليم مع كونه محفوفًا بلطائف الشهوات وعجائب اللذات إلا سياط التخويف وسطوات التعنيف (الإحياء: 4/149.). قال سفيان الثوري رضي الله عنه : مات أخي لي ، فرايته في المنام ، فقلت له : ما فعل الله بك ؟ قال: رضي عني وأدخلني الجنة، وقال : افرح كما كنت تحزن. * وآمال الناس اليوم طويلة .. وأحلامهم بعيدة، لا ينتظرون آجالا ولا يتذكرون مآلا..
تُؤمِّل في الدنيا طويلا ولا تدري.... إذا جن ليل هل تعيش إلى الفجرفكم من صحيح مات من غير علة.... وكم من عليل عاش دهرًا إلى دهرِوكم من فتى يمسي ويُصبحُ آمنًا.... وقد نُسجت أكفانه وهو لا يدري(ديوان الإمام علي : 96. [1]) قال سفيان الثوري: الزهد في الدنيا قصر الأمل ، ليس بأكل الغليظ ولا لبس العباء (مدارج السالكين: 2/11.). وطول الأمل داء عضال، ومرض مزمن، ومتى تمكن من القلب فسد مزاجه واشتد علاجه ولم يفارقه داء، ولا نجع فيه دواء، بل أعيا الأطباء ويئس من بُرْئه الحكماء والعلماء، وما أطال عبد الأمل إلا أساء العمل(أداب الدنيا والدين : 108.) وبطول الأمل تقسو القلوب وبإخلاص النية تقلُّ الذنوب (العاقبة: 68.). وطول الأمل الذي داهمنا والتوسيف الذي لازمنا جعلنا لا نرى نهاية لهذا الإنسان ولا نستشعر قرب الرحيل من هذا المكان. قال بعض السلف : ما نمت نومًا قط فحدثت نفسي أني استيقظ منه (جامع العلوم والحكم: 465.). يا أيها الناس كان لي أملٌ.... قصر بي بلوغه الأجل فليتق الله ربه رجلٌ.... أمكنه في حياته العمل ما أنا وحدي بفناء بيت.... يرى كل إلى مثله سينتقل (البداية والنهاية : 13/40.) قال الحسن : اجتمع ثلاثة من العلماء فقالوا لأحدهم: ما أَمَلُكَ؟ قال: ما أتى عليَّ شهر إلا ظننت أني سأموت فيه ، قال : فقال صاحباه : إن هذا هو الأمل، فقال للآخر: فما أملك ؟ قال: ما أتت عليَّ جمعة إلا ظننت أني سأموت فيها ، قال : فقال صاحباه: إن هذا هو الأمل، فقال : للآخر : فما أملك؟ ما أملُ من نفسه في يد غيره؟ أخي الحبيب أين نحن من هؤلاء؟ قال بكر المزني:إن استطاع أحدكم أن لا يبيت إلا وعهده عند رأسه مكتوبة فليفعل. فإنه لا يدري لعله أن يبيت في أهل الدنيا ، ويصبح في أهل الآخرة(جامع العلوم والحكم: 465.). وقال محمد بن أبي توبة: أقام معروف الكرخي الصلاة ، ثم قال لي : تقدم ، فقلت : إن صليت لكم هذه الصلاة لم أصل لكم غيرها . فقال لي : أراك تحدث نفسك أنك تعيش حتى تصلي صلاة أخرى ، أعوذ بالله من طول الأمل . فإنه يمنع من خير العمل (حلية الأولياء: 8/361، العاقبة 90.). وقيل لمحمد بن واسع : كيف أصبحت؟ قال: قريبا أجلي بعيدًا أملي سيئا عملي (السير: 6/121.).
هوِّن عليك فما الدنيا بدائمةٍ.... وإنما أنت مثل الناس مغرورُ
لو تصور أهل الدهر صورته.... لم يمس منهم لبيبٌ وهو مسرور
(إرشاد العباد: 71.) قال داود الطائي : سألت عطوان بن عمرو التميمي قلت: ما قصر الأمل؟ قال: ما بين تردد النفس . قال رستم: فحدثت به الفضيل بن عياض فبكى، وقال: يقول: يتنفس فيخاف أن يموت قبل أن ينقطع نفسه، لقد كان عطوان من الموت على حذر (صفة الصفوة: 3/127.). وقال داود الطائي: لو أَمَّلت أن أعيش شهرًا لرأيتني قد أتيت عظيمًا ، وكيف أُؤمِّل، ذلك وأرى الفجائع تفني الخلائق في ساعات الليل والنهار (الإحياء: 4/483.).
يا من يعدُّ غدًا لتوبته.... أعلى يقين من بلوغ غدٍ
المرء في زلل على أملٍ.... ومنيةُ الإنسان بالرصدِ
أيام عمرك كلها عدد.... ولعل يومك آخر العدد يا أخي :التوبة التوبة قبل أن تصل إليك النوبة، الإنابة الإنابة قبل أن يغلق باب الإجابة، الإفاقة الإفاقة فيا قرب وقت الفاقة ، إنما الدنيا سوق للتجر ومجلس وعظ للزجر، وليل صيف قريب الفجر ، المكنة مزنة صيف، الفرصة زرورة طيف، الصحة رقدة ضيف، الغرة نقدة زيف، الدنيا معشوقة وكيف.. البدار البدار فالوقت سيف(المدهش: 232.). ولقصر عمر الدنيا ومخافة الفوت قال عبد الله العصري: المؤمن لا تلقاه إلا في ثلاث خلال، مسجد يعمره ، أو بيت يستره أو حاجة من أمر دنياه لا بأس بها (الزهد للإمام أحمد: 338.).
قَصِّر الآمَالَ في الدنيا تَفُزْ.... فدَليلُ العقل تقصير الأملِ
يا طويل الأمل في قصير الأجل، أما رأيت مستلبًا وما كمل؟! أتؤخر الإنابة وتعجل الزلل؟
يا من بدنياه اشتغلَ....وغرَّه طولُ الأملِ
الموت يأتي بَغْتَةً.... والقبر صندوقُ العملِ
(ديوان الإمام علي: 158.)
وما ضر المسلم مثل الأمل. وما أضاع أوقاته إلا التسويف.. قال سعيد بن سعيد : لا تنظر إلى صغر الخطيئة، ولكن انظر إلى من عصيت (الزهر الفائح: 95.). وقال عيسى عليه السلام: عجبت لثلاثة: غافل غير مغفول عنه، ومؤمل الدنيا والموت يطلبه، وباني قصرًا والقبر مسكنه.
|