في آتون المحنة
اكتشف عبد الناصر أن الإخوان عادوا مرة أخرى للعمل لدعوتهم وتربية الشعب على معاني الإسلام التي يدعون لها، وبدأت أجهزته المخابراتية تصور له أنه تنظيم عاد ليقوم بانقلاب ضد رئيس الدولة مما أفزعه وأطلق العنان لرجال الشرطة العسكرية بقيادة شمس بدران والمباحث العامة بقيادة حسن طلعت لتعمل في أجساد الإخوان الضعيفة ليعترفوا بما يريدون من كون الإخوان يقومون بعمل تنظيم مسلح على رأسه الشهيد سيد قطب، وفتحت أبواب جحيم السجن الحربي، كما فتحت أبواب سجن القلعة وبدأ التنافس الشرس على أجساد الإخوان من قبل رجال الشرطة العسكرية والمباحث العامة كلّ منهما يريد أن يقتلع الاعتراف على حساب هذه الأجساد الضعيفة لينالوا الحظوة عند سيدهم عبد الناصر، وكان فاروق المنشاوي أحد هذه الأجساد الضعيفة، الذي اعتقل عام 1965م.
عندما بدأت المحرقة الناصرية ضد الإخوان، حاول الخروج من مصر لأنه كان يعلم كما يقول أقرب الإخوان إليه إنهم لن يتركوه حيًّا إذا قبضوا عليه، غير أنه قبض عليه قبل أن يتخطى الحدود المصرية- الليبية عند السلوم، وخرجت مجلة (المصور) بمانشيت كبير وبه صورة لفاروق المنشاوي وتحتها تعليق يقول "القبض على فاروق المنشاوي قائد منظمة التخريب على حدود السلوم".
ومع اعتقالات الإخوان بدأت الحرب الإعلامية ضدهم فقد خرجت الصحف الحكومية تهاجم الإخوان وتنعتهم بأبشع التهم، وأنهم كانوا يقومون بتدبير مخطط للسيطرة على البلاد واغتيال عبد الناصر وهدم القناطر، بل أخذت تستنطقهم تحت سياط التعذيب، ففي أحد هذه الأخبار يكتب الصحفي كما يريد فيقول: "قال مبارك عبد العظيم عياد المدرس بالأزهر إنه ستحدث عمليات تخريب هنا في القاهرة زي ما ذكر فاروق المنشاوي إنه كان مسئولاً عن عمليات القاهرة، قال لي إنه كان مفروض تدمير 3 محطات كهرباء محطة شمال القاهرة ومحطة جنوب القاهرة ومحطة السبتية وخمسة سنترالات وكذلك ميناء القاهرة الجوي ده بالإضافة إلى عمليات الاغتيال لذلك عرفنا قبل كده من حلمي حتحوت إنه كان فيه خطة مدبرة لنسف 12 كوبري كذلك عرفنا من واحد من طلخا اسمه شعبان الشناوي إنه كان مكلفًا بتدمير محطة طلخا الكهربائية بالإضافة إلى عدة محطات موجودة بالشبكة بالإضافة إلى محطة إسكندرية".
تعذب فاروق المنشاوي تعذيبًا شديدًا فوق طاقته بسبب كونه مسئولاً عن خلية الطلبة وأن منهم عددًا قد هربوا إلى ليبيا ولم يستطع عبد الناصر القبض عليهم، ولذا وقع التعذيب الشديد على فاروق.. تقول الحاجة زينب الغزالي: "وبعد فترة دخل ثلاثة جنود كأنهم خارجون لتوهم من جهنم، طول أجسامهم مرعب وعرض أجسامهم كذلك، وجوههم تعكس غلظة قلوبهم، وبعدهم بقليل دخل رجل فسألهم عما إذا كانوا قد عرفوني ورأوني، وأجابوا بنفس واحد بالإيجاب، وقالوا بأن موعد موتى قد حل، ثم خرجوا ليعودوا بالأخ فاروق المنشاوي فيجلدوه بعد أن قيدوه وصلبوه على عود من الخشب، وبين الجلدة والجلدة كانوا يسألونه عن عدد المرات التي زارني فيها، ويطلبون منه أن يسبني فيرفض فيزيدونه جلدًا، وأنا أتمزق مما أرى وأسمع حتى طرحوه أرضًا واعتقدت أنه يحتضر، ولكن إرادة الله شاءت له أن يعيش وبحاكم ليحكم عليه بالأشغال الشاقة المؤبدة، يدعو في السجن للإسلام وللحق الذي آمن به حتى امتدت إليه يد آثمة وبتعليمات من عبد الناصر لتقتله في سجن ليمان طره فيفوز بالشهادة".
وقدم فاروق المنشاوي للمحاكمة مع ثلة من إخوانه، أمام الفريق محمد الدجوي- وهذا الرجل معروف عنه أنه سب مصر ورئيسها أثناء العدوان الثلاثي عندما وقع في الأسر وبالرغم من ذلك كفاءة عبد الناصر بأن جعله قاضيًا على ثلة من الأطهار- حكمت المحكمة على عدد كبير من الإخوان ما بين الإعدام والأشغال الشاقة وأحكام متعددة.
تقول السيدة زينب الغزالي: "استيقظنا يوم المحاكمة وأخرجونا إلى المكاتب في انتظار العربات التي ستقلنا إلى المحكمة. وفي حوالي الثامنة امتلأت ساحة السجن الحربي برجال البوليس ضباطًا وجنودًا وكأنهم ذاهبون إلى ساحة القتال، وجاءت عربة وصعدنا فيها وتكدس حولنا الحراس من ضباط وجنود، وذهبنا إلى المحكمة وهناك أدخلونا القفص: كنا ثلاثة وأربعين. كان ترتيب فاروق المنشاوي رقم 11 في القضية".
يقول الأستاذ أحمد عبد المجيد- أحد قادة تنظيم 65: "لقد نشرت الصحف في اليوم التالي الموافق 22 أغسطس 1966 الأحكام الصادرة من المحكمة بعناوين مثيرة، وبعد عرض أسماء السبعة المحكوم عليهم بالإعدام ومسئوليتهم في القيادة- السابق ذكرهم- قالت: "..... وأعلنت المحكمة قرارها بعد التصديق عليه استنادًا إلى ما ثبت خلال المحاكمة من أن:
1- كل المتهمين في القضية حاولوا تغيير دستور وشكل الحكومة فيها بالقوة، بأن ألفوا بينهم- وآخرون معهم- تجمعًا حركيًّا وتنظيمًا مسلحًا لحزب الإخوان المسلمين المنحل بهدف تغيير نظام الحكم القائم باغتيال رئيس الجمهورية والقائمين على الحكم وتخريب المنشآت العامة وإثارة الفتنة، وتزودوا في سبيل ذلك بالمال اللازم وأحرزوا مفرقعات وأسلحة وذخائر، وقاموا بتدريب أعضاء التنظيم على استعمال تلك الأسلحة والمفرقعات، وحددوا أشخاص المسئولين الذين كانوا سيجري اغتيالهم، وعاينوا محطات توليد الكهرباء والمنشآت العامة التي سيتم تخريبها ورسموا طريقة التنفيذ، وتهيئوا للتنفيذ فعلاً، وعينوا الأفراد الذين كانوا سيقومون به، وأن عملية الضبط هي فقط التي حالت دون إتمام المؤامرة.
2- السبعة المتهمون الأول هم الذين كانوا يتزعمون التنظيم كله، ويقودون حركته ولهذا فقد حكمت المحكمة عليهم، طبقًا لنص المادة 87 عقوبات التي تقضي بالإعدام على كل من ألف عصابة مسلحة لقلب نظام الحكم بالقوة أو تزعمها، أو تولى فيها القيادة.
وحكمت- على 25- منهم ثلاثة هاربون صدرت الأحكام عليهم غيابًا بالأشغال الشاقة المؤبدة طبقًا لأدوارهم الفرعية في قيادة التنظيم التي تلي دور مجلس القيادة مجتمعًا وهم عبد المجيد الشاذلي، مبارك عبد العظيم، فاروق المنشاوي، فايز إسماعيل، ممدوح الديري، محمد أحمد عبد الرحمن، محمد عبد المعطي إبراهيم، محمد المأمون زكريا، أحمد عبد الحليم السروجي، السيد سعد الدين شريف، إمام عبد اللطيف غيث، كمال عبد العزيز سلام، فؤاد حسن علي، محمد أحمد البحيري، حمدي حسن صالح، مصطفى الخضيري، السيد نزيلي عويضة، مرسي مصطفى مرسي، حلمي صادق حتحوت، عبد المنعم عرفات، محمد عبد الفتاح شريف، السيدة زينب الغزالي الجبيلي: التي دعت للتنظيم وعملت على تجميعه وأمنت له اجتماعاته حتى تم تشكيله.
الهاربون: محيي الدين هلالي، عشماوي سليمان، مصطفى العالم.
وحكمت على الباقين كل طبقًا لدوره في قيادة التنظيم الذي يجيء في الترتيب بعد دور مجلس القيادة ودور القواد الفرعيين، حيث حكم بالأشغال الشاقة لمدة 15 سنة على كل من (عباس السيسي، محمد عبد المنعم شاهين، محمد بديع سامي، جلال بكري ديساوي، صلاح محمد خليفة، إلهام عبد المجيد بدوي، محمد عبد المعطي عبد الرحيم، محمود أحمد فخري، محمود عزت إبراهيم، صلاح محمد عبد الحق".
بدأ الإخوان يتأقلمون على المعيشة داخل السجون خاصة عندما علموا أن عبد الناصر قد أصدر قرارًا لزبانيته بعدم خروج هؤلاء إلا جثثًا ميتةً.
يقول المهندس الصروي: فاروق المنشاوي الذي أصيب بمرض خطير وهو تشنجات في جميع جسمه ما عدا قلبه ولسانه وعينيه، ويظل متشنجًا ساعات طويلة بل أيامًا كثيرةً.. ورغم ذلك كان يصر على صيام النوافل والإقلال من الطعام.. ولا يستجيب لتعليمات الأطباء حتى ولو كانوا من الإخوان.
ويصفه إخوانه فيقولون: "كان يمتاز بالهدوء الشديد وسعة الصدر والصبر على المناقشة الموضوعية كان يقرأ في صلاة العشاء ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنْ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ (185)﴾ (آل عمران) يكررها بصورة ملحوظة في صلواته لا يملك من يراه إلا أن يحترمه".
نحو الشهادة