**********
وهناك كلمة تدور على ألسنة المواطنين من عشرات السنين، بل مما يزيد على قرنين، وهي كلمة "طز"، وفي الاستعمال الدارج تسأل شخصًا ما: ما رأيك في فلان؟ فيأتيك الجواب: "طز"، أو "طز فيه"، والكلمة لا تدل إلا على الاستهانة والتحقير، وعدم المبالاة.
وهي ليست كلمة عربية، ولكنها كلمة تركية قديمة، ومعناها "ملح"، وحكايتها أنه عندما كان الأتراك يسيطرون على العرب في مراكز التفتيش كان العرب يذهبون لمبادلة القمح بالملح، فعندما يمر العربي خلال بوابة العسكري التركي وهو يحمل أكياس الملح يشير إليه التركي بيده إيذانًا بالدخول، ودونما اكتراث يقول: (طز) (طز) (طز)، فيجيب العربي: (طز)، بمعنى: إنه فقط ملح، أي لا شيء ممنوع أو ذا قيمة، فيسمح له بالدخول دون تفتيش.
**********
مبارك مصر.. أم مصر مبارك؟!
الحاكم للوطن، والوطن للجميع، وأنا أعتقد أن مبارك لا يرضيه تعبير "مصر مبارك" الذي يتردد في الصحف والأغاني، وعلى ألسنة كثير من الوزراء والكبار، وهو- كما هو واضح- تعبير ضليع في "النفاقية"؛ لأنه يعكس الحقيقة السوية التي تلزمنا أن نقول: مبارك مصر, وجيش مصر، و"نظيف" مصر.
وقبل قيام الميمونة سنة 1952 لم يقل أحد: "مصر فاروق، أو مصر فؤاد، ولا مصر محمد علي"، وإني لأخشى أن نسمع في السنوات القادمات: مصر والي، ومصر الشريف، ومصر الشاذلي!!!.
توجيهات الرئيس
وفي الفلك نفسه تدور عبارة أخرى- وإن كانت أقل توهجًا- وهي "عملاً بتوجيهات السيد الرئيس"، أو "تحقيقًا واستجابةً لما وجهنا إليه سيادة الرئيس... سنعمل كذا... أو... نطبق كذا...", وهي عبارة دارت, وتدور على لسان كل وزير, أو كبير.
وتوجيهات الرئيس ترمي إلى تحقيق المصلحة العامة من وجهة نظره, ومن وجهة نظر الوزير على الأقل، ولكن هدف الوزير من هذا التصريح هو إكساب عمله شيئًا من الحماية, وتقدير الشعب والجهات الرسمية له... وذلك بردِّه, أو ربطه بأعلى قمة في البلد.
وقد تبلغ حماسة الوزير لمشروعه, وحرصه على تنفيذه حدًّا غير سوي بأن يُجري على لسان الرئيس مبارك ما لم يقله, كذلك الوزير "التحفة" الذي زعم أن الرئيس قد وافق على مشروعه في "ردم" جزء من النيل, ولا أدري كيف تلقى الوزير الصدمة, وهو يرى الرئيس يكذبه, ويعلن أنه لم يُبد أية موافقة على هذا المشروع.
وعودًا على بدء أسأل: ما موقف الوزير- أي وزير- لو أن الرئيس لم يكن له توجيهات في نطاق الأعمال والمهام التي يضطلع بها الوزير? هل يتوقف عن العمل إلى أن تصدر مثل هذه التوجيهات, ولو في شكل عام دون تحديد? ألا يكون في ذلك تعطيل للعمل العام, وإساءة إليه?
أين ما يجب أن يتمتع به الوزير- أي وزير- من عقلية فاعلة, وفكر ابتكاري, واستقلالية في اتخاذ القرار?!!
نعم إنها أمنية أن تختفي من حياتنا إلى الأبد هذه العبارات, وما يدور في فلكها: "مصر مبارك، وعملاً بتوجيهات الرئيس، وبالروح والدم نفديك يا ريّس".
**********
ومما يؤسف له أن هناك "وصفًا"، بلغ حدَّ الاصطلاح وهو "المحظورة"، يطلقه رجال الحزب الوطني الديمقراطي (!!) حزب الأغلبية (!!)، وأعضاء لجنة السياسات، والهبَّارون والهبَّاشون أصحاب الكروش الواسعة، ومن سار على دربهم، وتعلق بأذيالهم من الكُتَّاب والصحفيين، وهذا اللقب أو الوصف، أو الاصطلاح لا يطلق إلا على جماعة الإخوان، ويقصد به أن هذه الجماعة محظورة، أي ممنوعة من الوجود؛ لأن القانون لا يعترف بها، وأصبح مجرد الانتساب إليها جريمة يعاقب عليها المنتسب.
والحق يلزمنا أن نعرض على القارئ قليلاً من التفصيل:
الحظر في واقعنا السياسي..
الحظر- لغة- هو المنع والحجر، كما ذكرنا، ودون أن ننفصل عن هذا التعريف, وفي ضوئه أرى من الضروري- في هذا السياق- أن نلقي نظرة على واقعنا السياسي والحزبي في العهد المباركي:
1- فهناك أحزاب وُلدت "محظورة بطبيعتها، وحظرها حظر ذاتي إرادي، فهي أحزاب "مجمدة" أو معلبة؛ لأنها لا تملك من "القدرة" والقوة الشعبية ما يمكنها من التحرك والتأثير، والناس لا يعرفون إلا اسم رئيس الحزب, وأعضاء مجلس إدارته هم جمهوره وأنصاره, ولا يعرفهم الناس, ولا يعرفون عنهم شيئًا, وما سمحت الحكومة بقيام عدد من هذا "النوع" "الجامد أو المجمد أو المعلب" إلا ذرًّا للرماد في العيون, وهي تدعي بأننا "دولة ديمقراطية" بدليل وجود هذا العدد الكبير من الأحزاب عندنا.
2- وهناك أحزاب محظورة حظرًا جزئيًّا فهي مشروعة ولكنها لا تملك من حرية الحركة إلا ما تسمح به الحكومة, وشبيه بذلك حالة حزب "العمل" الذي "جُمِّد" نشاطه مع أنه نشأ مشروعًا في الأصل.
الحزب الوطني هو المحظور
والذين يحكمون بالحظٍر, أو الإباحة في مجال الأحزاب يعتمدون على الظاهر المشهور من التحرك والنشاط والإجازة القانونية، ويغفلون أهم قواعد الثبات والبقاء والتفوق الحزبي، وأعني بها القاعدة النفسية, أي مكان أو مكانة هذا "التنظيم الحزبي" قادة, ومبادئ, وخططًا في نفوس أعضائه بخاصة, ونفوس الشعب بعامة؛ لأن الحظر أو الإجازة لا يكونان بقرار حكومي سلطوي, ولكن بقرار شعبي عملي يصدر بلسان الحال, لا لسان "المقال", ويتمثل في ثلاثية: الحب والاعتناق والالتفاف، أي حب الأعضاء للحزب، وإخلاص الود والوفاء له, واعتناق مبادئه والإيمان بها إيمانًا عميقًا, والالتفاف بمعني حماية الحزب, والتضحية في سبيله بالنفس والولد والمال.
ولننظر إلى الحزب الوطني, وترجمته تتمثل مفرداتها فيما يأتي:
1- إمكانات ضخمة من المال والمباني والحراسات وأمن السلطة.
2- أغلبية مدّعاة, قالوا إنها لا تقل عن ثمانين في المائة, وأنها لن تقل عن ذلك في المستقبل, وكل مستقبل, بل ستزيد زيادات مطردة, بذلك صرح الشاذلي ذات يوم لصحفي "بالعربي الناصري" وأقول "قلبك أبيض يا شاذلي.. فالغيب لا يعلمه إلا الله".
3- براعة فائقة في فنون تزوير الانتخابات والإرادات, والتأمين "الأمني" المكثف.
4- تقديم أهل الولاء الحزبي على أصحاب الخبرات والولاء الوطني, بصرف النظر عن مصلحة الشعب, وخصوصًا الطبقات الدنيا.
5- الوعود البراقة التي لم يتحقق منها شيء, بل تحقق بها نقيض المنشود مثل: الوعد.. بل الوعود برفع المعاناة عن المواطنين, والقضاء على البطالة, والارتفاع بمستوى التعليم والثقافة... إلخ.
وبعد كل أولئك من حقي أن أقول إن هذا الحزب الوطني هو "المحظور" الأول في كل الأحزاب, فهو "المكروه" الأول, وهو "المعزول" الأول, فليس له "قاعدة نفسية" في نفوس الشعب, بل بني كبارهم بينهم وبين قلوب شعبنا المطحون حائطًا خرسانيًّا سميكًا متينًا، فإذا سمع أحد المواطنين اسم "الحزب الوطني" قفزت إلى خاطره كلمات النفعية والادعاء والتزوير والبهرجة و"العض" على الكراسي بأسنان أقوى من حديد "أحمد عز"!
**********
فمتى نرى حكامنا يتحيزون إلى الحق والحقيقة، ويبتغون فيما يفعلون، وفيما يقولون وجه الله، ثم مصلحة مصر والعرب، ولا تأخذهم في الله لومة لائم، ويجعلون العدل هو المصباح الذي يبدد ظلمات حياتهم، وسياستهم؟... متى؟... متى؟... نأمل أن يكون ذلك قريبًا.
----------------