<table id=table426 cellSpacing=0 cellPadding=0 width="100%" border=0><tr><td>

بقلم: د. جابر قميحة
</TD></TR>
<tr><td>

أعتقد أن مصر من أكثر بلاد العالم في استخدام الشعارات، في شكل عبارات، وكلمات مفردة.
والمعنى اللغوي "للشعار" هو ما التصق بالبدن مباشرة من الثياب، وتطلق كلمة الشعار اصطلاحًا على المفردات الآتية:
1- العلامة التي ينصبها الجنود، أو يحملونها في الحرب، كراية ذات لون معين، أو عبارة معينة؛ ليعرف بها الجندي فريقه، وقد يكون ذلك في السفر أيضًا.
2- هتاف الذي تعلو به أصوات الجنود- في الحرب غالبًا- تعبيرًا عن قوة العقيدة، ورسوخ الإيمان، ولتحميس الجنود، ورفع معنوياتهم، وبث الخوف في نفوس الأعداء.
وهو كذلك الهتاف الذي يردده جمهور أو تجمع معين؛ تعبيرًا عن توجه حزبي، أو وطني.
3- علامة الرسمية المطبوعة التي تدل على الدولة، وغالبًا ما تكون في علمها: كعبارة: "لا إله إلا الله محمد رسول الله" في علم السعودية، والنجمة السداسية في علم دولة العدوان الصهيوني، وقد يكون الشعار لجماعة من الجماعات: كالسيفين يعانقان المصحف، شعار الإخوان المسلمين، وفي الوقت الحاضر نرى كل محافظة من محافظات مصر تتخذ لنفسها شعارًا يمثل- غالبًا- أهم منتج لها في مجال الصناعة أو الزراعة.
4- العنوان الذي يدل على موضوع محوري، يناقش في مؤتمر عام، كأن ينعقد المؤتمر تحت شعار "الحضارات حوار لا صراع" أو شعار "سلام بلا تنازل" أو شعار "حرية التعبير، لا حرية التدمير".
ولم تكن الشعارات أيام الرعيل الأول من المسلمين، مجرد عبارة مكتوبة، أو هتاف تعلو به الحناجر، ولكنه كان إعلانًا نابعًا من القلوب، يبين عن التزام عملي صادق بالانتصار للحق، وإعلاء كلمة الله، والاستهانة بالموت، والثبات على الإيمان واليقين.
وفي مصر: قامت الثورة سنة 1952م، فملأت على الناس حياتهم بالشعارات، وعلى أوسع نطاق نشرت السلطة شعار "الاتحاد، والنظام، والعمل" وهو شعار يحمل في ظاهره دعوة إلى وحدة الصف والتعاون، والتماسك، وأخذ النفس بالنظام في كل مناحي الحياة، والعمل المتواصل في صدق وإخلاص، دون تكاسل وقعود، فهو إذن شعار سلوكي عملي "لو تحقق" على كل المستويات، وأخذ الناس أنفسهم به حكامًا ومحكومين؛ لحققنا من التفوق والتقدم والانتصارات الكثير والكثير.
ولكن المسألة كانت جعجعة بلا طحن.. كلامًا في الهواء، للإيهام والدعاية، والاستهلاك المحلي لانعدام القدوة الحسنة في الحكام الثوريين الذين دب الشقاق في صفهم، فشقه، وأصبح التآمر هو سيد الموقف، فتخلص عبد الناصر من محمد نجيب القائد الحقيقي للثورة، ومن أبطالها الحقيقيين، من أمثال عبد المنعم عبد الرءوف، وأبي المكارم عبد الحي، ويوسف صديق، ونجح عبد الناصر وبطانته في زرع روح الرعب في نفوس الشعب، فكثيرًا ما كنا نسمع الأمثال والعبارات الآتية: الحيطان لها ودان، وأنا مالي يا عم سبنا ناكل عيش، وأنا مالي أنا راجل عندي عيال، وهيمنت كذلك- بفعل الخوف- روح اللا اكتراث واللا مبالاة.
ونشأت طبقة جديدة هي طبقة الضباط العظام، الذين نهبوا القصور الملكية، وأموال الحراسات، وتحكموا- هم وأقاربهم- في أعناق الشعب، وتحكموا في الاستيراد، والتصدير، والتجارات، والتهليبات، وأصبحوا هم الوساطات النافذة لتخطي القوانين، وتحقيق المعجزات، أما النظام فقد نسينا شكله ومضمونه في الشوارع والمصانع، والمتاجر، والدواوين الحكومية.
وأخيرًا، أثبتت الإحصاءات الرسمية أن متوسط "ساعات" العمل اليومي للعامل المصري هو 28 دقيقة في اليوم، فالأصح إذن أن نقول "متوسط دقائق العمل اليومي".
فأين الاتحاد.. والنظام.. والعمل .. يا مفجري الثورة الميمونة؟!
**********
ومن الشعارات الثورية التي ولدت ميتة؛ لأنها كانت كذلك تناقض الواقع الذي تعيشه الأمة شعار "لا صوت يعلو على صوت المعركة"، وهو شعار غريب غامض؛ لأن المعركة عمل ناشط- لا صوت له- يهدف إلى تحرير الأمة، والدفاع عنها، ومواجهة أعدائها، ولكن هذا الشعار الذي اخترعه الثوريون، اتخذ ذريعة لإخراس كل نقد نزيه، وإلغاء صوت العقل والضميرلا، وإلقاء المخالفين في غيابات السجون.
فإذا كان للمعركة صوت، فقد كان هناك صوت آخر يعلوه، ويتفوق عليه هو صوت الظلم والاستبداد، والحكم الفردي المطلق الذي لا يسأل عما يفعل.
**********</TD></TR></TABLE>
يتبع