كنتُ في تجارة أنا وأحد الناس على أساس المضاربة على الربح والخسارة، وذات مرة أخذ التاجر الذي كنا نشتري منه البضاعة المالَ وهرب، وطالب صاحب المال بماله، فحاولتُ جمعَ أي مبلغ، وقد أفهمني أن ماله أصبح دينًا عليَّ، وبالفعل أعطيته مبلغًا جمعته، ولكني علمتُ أن هذا مخالفٌ لشروط المضاربة؛ لأن المالَ قد سُرِقَ بعلم الجميع؛ فهل هذا المال الذي أخذه مني من حقه أو لا؟
* يُجيب عن هذا السؤال: الشيخ سعد فضل- من علماء الأزهر الشريف فيقول:
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد..
المضاربة أن يدفع شخصٌ مالاً لشخص آخر يُتاجر فيه؛ على أن يُقسَّم الربح بينهما بنسبة يتفقان عليها كالنصف أو الثلث مثلاً.
والعامل في المضاربة ليس شريكًا في رأس مال التجارة، فهو كله لصاحب المال، ولا يشاركه إلا في الربح الناتج من رأس المال؛ فهو بمثابة الأجير الذي يُؤدي عملاً لصاحب المال، وهذا النوع من المعاملات يُسميه الفقهاء بـ(المضاربة)؛ لأن كلاًّ من المموِّل والعامل يأخذ ضربًا من الربح ويكون عليه ضربٌ من الخسارة بقدرِ نصيبه من الربح؛ فإذا كان الربحُ بينهما مناصفةً مثلاً، كانت الخسارة عليها مناصفةً، وإذا كان لأحدهما ربع الربح كان عليه عائد الخسارة، وهكذا.
والاتفاق على الربح والخسارة شرطٌ في صحة المضاربة، وهناك من الناس من لا يراعون هذا الشرط؛ إذْ يعطون أموالهم لمَن يُنمِّيها لهم بضمانات وثيقة كالشيكات التي ليس لها رصيد، أو الكمبيالات التي تُلزم الموقعين عليها بدفعها عند الطلب مع شروط جزائية إذا لم يتم التسليم في الوقت المحدد؛ سواءٌ ربح التاجر أم خسر، وهذا لا يجوز.
فعلى المموِّل والعامل أن يتفقا على نسبةِ الربح والخسارة قبل إبرام العقد، وللمموِّل أن يضمن حقَّه الذي دفعه للعامل بشيكات أو كمبيالات، لكن إذا تلف المال كله فلا يجوز شرعًا أن يطالبه به إلا إذا ثبت أنه فرَّط في حفظه أو قصَّر في تنميته، فعلى صاحب المال أن يتقيَ الله في العامل له في ماله إذا لم يكن قد قصَّر أو أهمل أو فرَّط فيه، وبالطرق المعروفة والمعهودة لحفظ ماله، فليس له الحق في المطالبه برأس المال إذا ثبت ذلك.
والله يعوضك خيرًا، ويبارك لك في الحلال ولو كان قليلاً، والله تعالى أعلم.